اخبارجمعيات

جولة في جمعية تعاونية

كتب المقال ناجي الملا

هناك فتافيت من المشاكل الصغيرة تنزاح إلى هامش الاهتمام وتتسرب إلى دائرة التذمر ثم تنزلق إلى تيار القبول الشعبي بها والتعايش معها كأمر واقع فيخمد نقدها والاشتغال على علاجها لتتجذر في حياتنا وكأنها قدر لا يتزحزح، هذه الفتافيت نجد حلولها في الدول المتحضرة العنوان الأبرز للتحضر والرقي والمحافظة على القيم والمبادئ، فهي هي فروع طبيعية لرسوخ وتجذُّر مبادئ وقيم وأهداف كبرى، وحتى لا نغرق في لجة التنظير ندخل إلى الموضوع في واقعه البسيط.

منع الحكومات في الغرب لإضافة الخميرة في المخبوزات لأنها تضر بالصحة ومنع استيراد المنتجات الزراعية غير المطابقة للمواصفات الصحية نتيجة وجود إما كيماويات أو مواد مضرة في الأسمدة والمبيدات ومياه الري، واستخدام أكياس ورقية بدل البلاستيكية، وفرض فرز مواد القمامة ووضعها في أكياس مميزة لكل صنف، وفرض ألوان ومواصفات ومخططات في بناء المساكن والمجمعات السكنية، والقائمة تطول.

هذه الأمور تصب في مصلحة الأفراد والمجتمعات وتطول البيئة بأشيائها وأحيائها طبعاً ويكون في كل الأحوال الأولوية لمصلحة الإنسان، فالعملية لا تكون بالتوعية الوعظية ولكن بتشريعات ملزمة للجميع وأجهزة تفرض التنفيذ وأجهزة تراقب وتحاسب بلا هوادة أو تفرقة.

جاءتني هذه الأفكار وأنا أتجول في الجمعية التعاونية لشراء بعض الفواكه والخضار التي تباع في صناديق تحتوي الغث والسمين، فلماذا لا تكون بالكيلو لأنتقي الأفضل منها، وكذلك الفواكه والخضار تأتي من دول قنواتها الإعلامية الرسمية تقول إن ري المزروعات فيها يتم من مياه الصرف الصحي والمستنقعات الملوثة، أو تقول قنواتها إن دول أوروبا لا تستورد منتجاتها الزراعية بسبب مخالفتها للمواصفات الصحية لوجود معالجات كارثية في المبيدات المستخدمة، ويقول المزارعون في هذه الدول وفي المحطات التلفزيونية ليس لنا سبيل لتصريفها إلا دول الخليج لتكون بطوننا مكبات لهذه المنتجات المسرطنة والضارة والعفنة.

هنا على الرف أرى أجبانا كريمية نسب السمن فيها عالية جداً ممنوعة في الغرب، وأسمع من ورائي سُعال أحد الزبائن دون أن يضع كمامة على فمه ودون أن يحاسبه أحد، وهنا مجموعة عمال لترتيب الخضار والبضائع على الرفوف يزحمون الجمعية ليكونوا بؤراً لنقل الوباء وبعضهم يكون مندوبا للشركات بلباس غير رسمي نجده يقلب ويرتب البضاعة.

ذهبت للمحاسبة فيعاملني العمال كأنني شخص عاجز يأتي من يأخذ عربة المشتريات مني ويفرغها للمحاسب ثم يعبئها بالأكياس البلاستيكية في العربة ثم ينقلها للسيارة، طبعا أنا مستسلم أمام الزحام وعدم القدرة على دفع العربة خارج الجمعية لخشونة الشوارع والحفر، وفي مصاف السيارات أرى الكمامات والمخلفات التي يرميها سائقو المركبات ولا يوجد من يراقب ويحاسب.

هُوَّة عميقة واسعة تفصلنا عن واقع وحياة الغرب أو قل الدول القريبة مثل دبي، والغريب أن الجمعيات التعاونية أهلية وقراراتها نسبياً مستقلة عن الحكومة ولكنها مأزومة بالأزمة الأم التي يمكن أن تصفها بالأزمة الحضارية، والثقافية، والسياسية وكل النعوت، إنها أزمة العقل والنفس الثاوية في اللاوعي إنها مثل أزمة القابلية للاستعمار كما وصفها مالك بن نبي في زمنه، وأنا أُسميها هنا أزمة القابلية للتشيُّؤ والخنوع أمام الشر، أعني بالتشيؤ هنا أن يتحول الإنسان الكائن العاقل المُريد الحر كما خلقه الله إلى كائن لا إرادة له ويتصرف به الأشرار كالجماد.

مع أنها فتافيت مشاكل إلا إنها أوراق متعفنة ترميها على واقعنا أشجار عملاقة من الإشكاليات الساكنة في وعينا وفي لا وعينا، فالجمعيات ساحة محررة من الحكومة تفضلوا يا سادة فنظموها وطبقوا معايير الجودة والمحافظة على سلامة المواطن لا نريد أكثر.

المصدر: جريدة الجريدة

مقالات ذات صلة

إغلاق